سورة يونس - تفسير تفسير ابن القيم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}
قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والحسن وغيرهم: ورحمته القرآن، فجعلوا رحمته أخص من فضله. فإن فضله الخاص على أهل الإسلام، ورحمته بتعليم كتابه لبعضهم دون بعض. فجعلهم مسلمين بفضله، وأنزل إليهم كتابه برحمته.
قال تعالى: {وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [28: 86] وقال أبو سعيد الخدري (فضل اللّه القرآن، ورحمته أن جعلنا من أهله).
قلت: يريد بذلك أن هاهنا أمرين أحدهما: الفضل في نفسه.
والثاني: استعداد المحل لقبوله، كالغيث يقع على الأرض القليلة النبات فيتم المقصود بالفضل وقبول المحل له. واللّه أعلم.
وقد جاء الفرح في القرآن على نوعين: مطلق، ومقيد. فالمطلق: جاء في الذم كقوله: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [28: 76] وقوله: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [11: 10] والمقيد نوعان أيضا: مقيد بالدنيا، ينسى صاحبه فضل اللّه ومنته، فهو مذموم. كقوله: {حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} [6: 44] والثاني: مقيد بفضل اللّه وبرحمته، وهو نوعان أيضا: فضل ورحمة بالسبب وفضل ورحمة بالمسبب.
فالأول: كقوله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
والثاني: كقوله: {فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [3: 17] فالفرح باللّه ورسوله وبالإيمان والسنة وبالعلم والقرآن من علامات العارفين.
قال اللّه تعالى: {وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [9: 134] وقال: {وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [13: 36] فالفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبته له. وإيثاره له على غيره. فإن فرح العبد بالشيء عند حصوله على قدر محبته له ورغبته فيه. فمن ليس له رغبة في الشيء لا يفرحه حصوله، ولا يحزنه فواته. فالفرح تابع للمحبة والرغبة. فالفرق بينه وبين الاستبشار: أن الفرح بالمحبوب بعد حصوله، والاستبشار يكون به قبل حصوله إذا كان على ثقة من حصوله ولهذا قال تعالى: {فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} [3: 170].
والفرح صفة كمال. ولهذا يوصف الرب تعالى بأعلى أنواعه وأكملها، كفرحه بتوبة التائب أعظم من فرح الواحد براحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة بعد فقده لها والناس من حصولها.
والمقصود: أن الفرح على أنواع: نعيم القلب ولذته، وبهجته، والفرح والسرور: نعيمه. والهم والحزن: عذابه. والفرح بالشيء فوق الرضى به، فإن الرضى طمأنينته وسكونه وانشراحه. والفرح لذته وبهجته وسروره. فكل فرح راض. وليس كل راض فرح. ولهذا كان الفرح ضد الحزن، والرضى ضد السخط، والحزن يؤلم صاحبه. والسخط لا يؤلمه، إلا إن كان مع العجز عن الانتقام. واللّه أعلم.


{وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)}
هو من أحسن النظم وأبدعه، فإنه ثنى أولا، إذ كان موسى وهارون هما الرسولان المطاعان. ويجب على بني إسرائيل طاعة كل واحد منهما، سواء. وإذا تبوآ البيوت لقومهما فهم لهما تبع.
ثم جمع الضمير فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} لأن إقامتها فرض على الجميع، ثم وحده في قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} لأن موسى هو الأصل في الرسالة وأخاه ردءه ووزير، وكما كان موسى الأصل في الرسالة فهو الأصل في البشارة.
وأيضا: فإن موسى وأخاه لما أرسلا برسالة واحدة كانا رسولا واحدا، كقوله تعالى: {إنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} [26: 16] فهذا الرسول هو الذي قيل له: وبشر المؤمنين.

1 | 2